الأربعاء، 30 أكتوبر 2019

الحرناشيون ، أهل بلدة هورناتشوس Hornachos

30 أكتوبر 2019 - المصدر http://andalushistory.com 

صورة لقرية هورناتشوس

هُرْنَجُّسْ أو هورناتشوس HORNACHOS، هي قرية اسبانية تتبع حالياً مقاطعة بطليوس بمنطقة إكستريمادور ذاتية الحكم. سقطت بأيدي الإسبان سنة 1234م وعومل أهلها بعد ذلك كمدجنين، واحتفظوا بشعائرهم الإسلامية ونظامهم الداخلي مقابل دفع ضريبة لتاج قشتالة.
وبعد سقوط غرناطة، سنة 1492م، كتب عليهم عيش المحنة الموريسكية والخروج من إطار “المدجنين”، حيث صدر مرسوم سنة 1502م الذي خيرهم بين المنفى والتعميد، فاختار الجميع التعميد بطريقة شكلية.
لم يتقبل حوالي 35 حرناشي الخضوع لطقوس الأسرار المقدسة السبعة، فهربوا إلى البرتغال، وتم تكليف بيدرو مونيز، وهو من سكان ميريدا، لمطاردتهم والقبض عليهم. وتم حملهم إلى إشبيلية وبيعهم كعبيد، واستمروا محتجزين مدة 31 يوما عند محاكم التفتيش بسبب خلاف مع رئيس أساقفة إشبيلية حول عملية البيع.

مؤخرا تم استخراج تفاصيل عن الحرناشيين الهاربين من أرشيف محاكم التفتيش، تذكر أسمائهم قبل وبعد تعميدهم، عمرهم وثمن بيعهم في السوق.
 وتشير التقديرات أن عدد الحرناشيين في القرن السابع عشر كان حوالي خمسة آلاف نسمة. وحصلوا من الملك فيليب الثاني على حق حمل السلاح مقابل مبلغ 30 ألف دوقية.

وفي عام 1526م صدر مرسوم ملكي يحظر ممارسة أي دين أو مذهب غير الكاثوليكية باسبانيا، فتمرد الحرانشيون، وتم محاصرتهم مدة أسبوعين. فاستسلموا، وقبلوا الكاثوليكية بطريقة شكلية، كما فعلوا سابقاً مع التعميد.

ومنذ ذلك اشتغل الْهُرْنَجَّايون أو الحرناشيين، كما سيطلق عليهم المغاربة لاحقاً، بصناعة الأسلحة، وظلوا يقيمون شعائرهم الإسلامية ولم تتغير لغة لسانهم، حيث كان أغلبهم لا يعرف إلا العربية، خصوصاً النساء، اللواتي كن لا يتكلمن إلا العربية حتى آخر لحظة قبل الطرد، حسب ما أورده الدبلوماسي الألماني من أصل بولندي، إريك لازوتا ستيبلوفو، عند خدمته في الجيش الإسباني بين 1580 – 1584م خلال حملة فيليب الثاني على البرتغال.

بقايا قصر هورناتشوس ما زال شاهدا على الوجود الإسلامي هناك

طوال القرن السادس عشر كانت منطقة هورناتشوس مصدراً هاماً للدخل بالنسبة للتاج قشتال، حيث أدين عدد كبير من سكانها بسبب مخالفاتهم المتكررة لقوانين محاكم التفتيش، فكانت تصدر بحقهم عقوبات مالية بشكل مستمر للمساهمة في إفقارهم. وتميز الحرناشيون في هذه الفترة بنشاطهم في قطع الطرق وتنظيم العصابات والتنكيل بالمخبرين والمتعاونين مع أجهزة السلطة الإسبانية، خصوصاً محاكم التفتيش.

وصنفت محاكم منطقة هورناتشوس كأشرس محاكم التفتيش في التاريخ الإسباني، فقد أدانت محكمة لوحدها 4000 آلاف شخص، وهذا رقم يجعلها تتفوق على أية محكمة أخرى.

سنة 1603م شارك العسكري والكاتب والقرصان ألونسو دي كونتريراس (الذي تم تناول سيرته في أفلام وروايات القرن العشرين) في حملة تفتيشية في هورناتشوس، وحين مصادرته لأسلحة مخبئة في أحد صوامع الغلال، قال مقولة ساخرة: “في هورناتشوس، باستثناء الكاهن، كلهم موريسكيون”.

تسبب سخط محاكم التفتيش على حالة هورناتشوس إلى دفع الملك فيليب الثالث لإرسال مبعوثه غريغوريو لوبيث مادير في الأول من نوفمبر 1608 م للتحقيق في الأمر. جاء تقرير المبعوث صادماً: في هورناتشوس كلها لا يوجد سوى أربع شيوخ نصارى، وباقي السكان يجهرون علناً بإيمانهم بالدين المحمدي ويختنون أبناءهم قبل العقيقة، كي يقولو أنهم ولدوا على ذلك الحال، بالإضافة إلى غياب لحم الخنزير من أسواقهم وبيوتهم، وحرصهم على صيام رمضان، وامتلاكم لمصاحف القرآن ومسجد سري، وجهلهم “اللغة المسيحية”، أي الإسبانية ، فصدر قرار الطرد بحق الحرانشيين في 16 يناير 1610، فتوجه غريغوريو لوبيث ماديرا بنفسه إلى هورناتشوس لتطبيقه. كانت ظروف السفر مأساوية. انتقلوا إلى إشبيلية وتشردوا فيها ينتظرون نقلهم، حيث كان عليهم دفع ثمن شحنهم، فباعوا أمتعتهم بأثمنة بخسة، ووصف المؤرخ دييغو أورتيز دي زونيغا مشهد خروجهم: “رأيت مخلوقات تصعد على متن السفن تحمل على كاهلها الحسرة والأسف.” ساعدت روابط الأخوة المتجذرة بين الحرانشيين على مساعدة من عجز منهم عن سداد ثمن النقل، فلم يتركوا أحداً ورائهم مشرداً. يجدر بالذكر أن أساقفة بطليوس وبلاسينسيا كانوا من الرافضين لقرار الطرد، بالإضافة للأديب واللغوي، ابن منطقة اكستريمادورا، بيدرو دي بلنسية، الذي احتج على مصادرة ممتلكاتهم وعدم معاملتهم كباقي الإسبان. وصل الحرناشيون إلى المغرب، فنزلوا بتطوان، لكن انضباطهم ونظامهم أثار تخوف الكثير من المسؤولين فتم توطينهم في قصبة الوداية المهجورة، التي قاموا باعمارها. فأسسوا بها سنة 1614م جمهورية على مصب نهر أبي رقراق، فاحتكروا ومن معهم من الأندلسيين تجارة العديد من السلع، بفضل اعتمادهم على القرصنة البحرية، التي كانت تزود السوق. وصل مجال عملياتهم إلى جنوب غرب إنكلترة وآيسلندا، وكان لهذا النشاط طابع الجهاد البحري الذي ميزها عن اللصوصية البحرية العادية.

ولجأ لهذه الدولة الناشئة بحارة من كل حدب وصوب، من هولندا وفرنسا وإنجلترا والبحر المتوسط، واعتنقوا الإسلام وتسلقوا في المناصب. هذا الاحتكار للسوق والانشغال بالبحر جعلهم يدخلون في صراع مع المجاهد محمد العياشي، خصوصاً بعد تحالفهم مع الإسبان.

استمر الحرناشيون وباقي الموريسكيين في خدمة سلاطين المغرب في القرن الثامن عشر. عبد القادر بيريز كان قائدا للأسطول المغربي وسفيرا في بريطانيا العظمى

وعندما تحالفت فلاندرز وإنجلترا، اتصل الانجليز بالمهاجرين الأندلسيين سنة 1625م، من بينهم الحرناشيين، لتعزيز صفوفهم في الحرب الطائفية بين البروتستانت والكاثوليك، من أجل محاصرة ميناء قادش للاستيلاء على الأسطول الإسباني القادم محملاً من القارة الأمريكية.

الْتَمَّ فقهاء المغرب حول المجاهد محمد العياشي، ودعموه في فترة كان المغرب يعيش حرب أهلية منشغل عن الدفاع على سواحله، وأصدروا فتوى تجيز قتال الحرناشيين ، وقد تأخرت في الصدور بعد تردد الفقيه عبد الواحد بن عاشر، الذي أيّد اصدار الفتوى بعد اقناعه بالدلائل. فأجمع الفقهاء على أن هؤلاء الأندلسيين خارجين على الأمة محاربة لها مساعدة لأعدائها عليها.

فتم تصفية من ثبتت الحجة عليه، وأعلن آخرون توبتهم، ولجأ بعضهم إلى الزاوية الدلائية، فحاول الدلائيون أن يشفعوا لهم عند محمد العياشي، لكنه لم يقبل فيهم شفاعة، فتسبب هذا الموقف في عواقب وخيمة، جعلت الدلائيين يغيرون دعمهم لحملات العياشي الجهادية، خصوصاً وأنهم لم يتعودوا أن ترد شفاعتهم.

في سنة 1636، انتفض باقي الموريسكيون على الحرناشيين و قاموا بطردهم من جمهوريتهم، فالتجأ بعض الحرناشيين المطرودين إلى الجزائر وتونس. فاغتنم أحد سلاطيين الدولة السعدية، وهو محمد الشيخ الصغير، هذه الفرصة، وسيطر على القصبة. فتكتل الحرناشيون والموريسكيون وحاصروا قصبة الوداية لاستردادها.
كان لنشاط الحرناشيين البحري ضرر كبير على الأوروبيين، فعزموا على استغلال ضعف الجمهورية للقضاء عليها نهائياً، إلا أن زحف محمد الحاج الدلائي زعيم الزاوية الدلائية وسيطرته على جزء كبير من المغرب، مكنّه من السيطرة على جمهورية بورقراق. أدى هذا الاستقرار السياسي إلى استرجاع الحرانشيين لنشاطهم البحري، إلى غاية سنة 1660، عندما قرر الحرناشيون و الموريسكيون الانقلاب على الدلائيين و الاصطفاف مع المجاهد الخضر غيلان.
وفي سنة 1667 زحف الرشيد بن الشريف، السلطان الجديد للمغرب، وقضى على الخضر غيلان و على الدلائيين في 1668، فدخل الحرناشيين تحت حكم الدولة العلوية وانتهت استقلاليتهم ، بعد توحيد بلاد المغرب الأقصى.

استمر الحرناشيون وباقي الموريسكيين في خدمة سلاطين المغرب في القرن الثامن عشر. عبد القادر بيريز كان قائدا للأسطول المغربي وسفيرا في بريطانيا العظمى .



وفي سنة 2003 عثر عمال البناء في أحد البيوت القديمة بهورناتشوس على مخطوطات كتابين، فيها آيات قرآنية و أذكار دينية، اعتبرها المختصون كنزاً ثقافياً نادراً في آخر معقل للمسلمين في شبه الجزيرة الإيبيرية.


مقالات لها صلة :
https://bataliusarabe.blogspot.com/2009/05/400.html
https://bataliusarabe.blogspot.com/2011/03/blog-post.html
https://bataliusarabe.blogspot.com/2009/03/blog-post_17.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق