قصبة ماردة
وأُتيح لمحمود أن يستفيد من موقع المدينة الجغرافي، فتلقَّى دعماً خارجياً على جانب كبير من الأهمية. فقد أقام علاقات سياسية مع الملك الأشتوريسي ألفونسو الثاني، كما تلقَّى مساعدات من الملك الكارولنجي لويس بن شرلمان، والمعروف أن مصلحة هذين الملكين تكمن في تشجيع وإثارة الاضطرابات في ربوع الدولة الإسلامية.
تصدَّى عبد الرحمن الثاني لهذه الثورة قبل أن تستفحل، وقاد بنفسه جيشاً، حاصر المدينة وضيَّق على سكانها، فطلبوا الأمان، فعفا عنهم، وعيَّن عليهم والياً هو الحارث ابن بزيغ، وأخذ منهم رهائن لضمان خلودهم إلى الهدوء، ودمَّر سور مدينتهم ونقل حجارته إلى مكان بعيد كيلا يعيدوا بناءه من جديد، ثم عاد إلى قرطبة.
والواقع أن خضوع سكان ماردة القسري كان مرحلياً فقط، فما أن ابتعدت القوات الأموية عن مدينتهم حتى عادوا إلى عصيانهم، فأسروا العامل وأعادوا بناء سور مدينتهم، فسار إليهم عبد الرحمن الثاني في عام (214 هـ/ 829 م) ومعه الرهائن. وجرت مفاوضات بين الطرفين تمَّ بنتيجتها افتداء الرهائن بالعامل الذي أسروه.
استمرت حركة العصيان ناشطة في ماردة الأمر الذي دفع عبد الرحمن الثاني إلى مهاجمتها مرتين متتاليتين في عامي (217 هـ/ 832 م) و(218 هـ/ 833 م)، ودخلها عنوة، وفرَّ قادة الثورة إلى منت شلوط وامتنعوا بها، واستولوا على باجُه وبطليوس الواقعة إلى الغرب من ماردة، فأرسل إليهم عبد الرحمن الثاني جيشاً آخر في عام (220 هـ/ 835 م) اصطدم بهم وأجبرهم على الفرار. فالتجأ محمود وأخته إلى الملك ألفونسو الثاني، وطلب مساعدته، فأبقاه عنده خمسة أعوام استغله خلالها للإغارة، بين الحين والآخر، على الأراضي الإسلامية لتحقيق مكاسب سياسية لمملكته على حساب الإمارة الأموية.
ويبدو أن محموداً رأى نفسه متورطاً في تحالف مع الملك الأشتوريسي لم يكن في مصلحته، فراح يعمل على التحرر من المأزق الذي وضع نفسه فيه، فراسل عبد الرحمن تمهيداً لعودته إلى طاعة الدولة الأموية مما أدى إلى نشوب خلاف بينه وبين الملك الأشتوريسي فتمرد عليه، واستولى على حصن سانت كريستين، على مقربة من مدينة لوغو، واتخذه قاعدة انطلاق لشن غارات على الأراضي النصرانية، فحاصره الملك ألفونسو الثاني عام (225 هـ/ 840 م)، وعندما حاول الخروج من الحصن ليلاً، اصطدم بشجرة بلوط وقُتل، ووقعت أخته جميلة في الأسر.
أما سليمان بن مرتين، فقد انفصل عن زميله محمود حينما توجه إلى أشتوريس، وتابع حركته الثورية في جهات ماردة إلى أن حاصرته القوات الأموية في الحصن الذي كان قد لجأ إليه واضطرته للخروج منه في جنح الظلام، ووافق صخرة ملساء على وجه الأرض، فزلق به الفرس فسقط ومات، وكان ذلك عام (220 هـ/ 835 م).
المصدر
تاريخ المسلمين في الأندلس، بتصرف، محمد سهيل طقوش،
دار النفائس الطبعة الثانية، بيروت 2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق