الخميس، 30 يناير 2014

عبد الرحمن بن مروان ، مؤسس مدينة بطليوس : نظرة للكاتب الإسباني مانويل تيرّون ألبرّان *

ترجمة : عادل النجار * 
 بداخوث ، 29 يناير 2014 - موقع بطليوس


يعتبر عبد الرحمن بن مروان ، مؤسس مدينة بطليوس ( حاليا بداخوث ) من الشخصيات التاريخية التي لن تتكرر في تاريخ إكستريمادورا الإسلامي ( الإقليم الذي تتبع إليه بداخوث ) ، فهو إلى جانب الشخصيات التاريخية أمثال محمود عبد الجبار ، والمظفر، و عمر المتوكل و جيرالدو جيرالديث ، يمثلون الركيزة المفصلية لتاريخنا في العصور الوسطى . 

عبد الرحمن بن محمد بن مروان ، مؤسس بطليوس ، و مهندس عاصمتها ، و من دونه ما كانت لتكون محورا أساسيا لمملكة بني الأفطس ، التي هي بمثابة بداية و نشأة المفهوم التاريخي و الهيكل الجغرافي بشكل دائم إلى يومنا هذا ، يظهر اليوم بشخصيته الإسطورية اللامعة ليكون واحدا من أولئك الرجال المثيرين الذين إختارهم القدر ليشاركوا في لعبة التاريخ السحري .. هذه هي الأهمية التي نوليها لهذه الشخصية التاريخية !!

نكتب تاريخه و نحن مقتنعون بجدارته ، ليس فقط كممثل رئيسي في سرد أحداث التاريخ ، و إنما للنتائج التي تلت الاحداث و ما نتج عنها من مؤثرات مستقبلية ، ولو تأملنا مسرح التاريخ لوجدنا أن هؤلاء هم الذين يقدمون لنا عرضه المدهش .

خصص له المؤرخ الهولندي رينهاردت دوزي  "Dozy Reinhart " عدة صفحات رائعة في كتابه تاريخ المسلمين في إسبانيا " Histoire des Mussulmans d'Espagne "  واصفا إياه بالمرتد الجرئ . كما نشر له فرانثيسكو كوديرا Francisco Codera" " موجزا شاملا و دقيقا عن تحركاته و ما يتعلق بعائلته في كتابه " بنو مروان في ماردة و بطليوس " . أما المؤرخ اليهودي إفاريست ليفي بروفنسال " Évariste Lévi-Provençal " فقد ذكر مآثره في بحثه العلمي :إسبانيا المسلمة España musulmana (711-1031)"، مستدلا بصور نادرة من نوعها لإبن حيان .

كما خصص له الكاتب كلاوديو سانتشيس ألبورنوث Claudio Sánchez-    Albornoz    فصلين مكثفين من كتابه مملكة أستورياس ، وكتب عن سيرته أيضا الدبلوماسي و الكاتب الإسباني إسيدرو دي لاس كاخيقاس  Isidro de las Cagigas .

وكتب عنه البروفيسور محمود علي مكي في السفر الثاني  من كتاب المقتبس لابن حيان القرطبي ، بيّن فيه جوانب من سيرته الذاتية التاريخية ، متطرقا أيضا إلى ثورة المُولدين في شرق إسبانيا .

وذكره المؤرخون المسلمون أمثال ابن القوطية ، و إبن الأثير ، و إبن خلدون ، و إبن حيان الذي ترك لنا الكثير فيما يتعلق بتقلبات و تمرد بني مروان ، و لو إستطعنا إستغلال نصوص إبن حيان التي لم تترجم بعد ، فقد نستطيع ان نُعدّل و نعرف المزيد عن تحركات و سيرة هذا الزعيم المقدام .
كما ذكره الرازي ، و إبن حزم في رسالة الأندلس ، كما ذكره المؤرخون المسيحيون أمثال سامبيرو ، و خيمينث دي رادا  .

ويصف المؤرخون ابن مروان بالجليقي نسبة الى إقليم جليقة في شمال إسبانيا ( قاليثيا ) ، ويقول الذهبي أن أباه هو إبن مروان الجليقي ، وهذا لا يعني ان أصله من شمال إسبانيا ، حيث لم يصل المسلمون الى هناك ، إلا ان المؤرخون العرب كانوا يطلقون هذا الإسم على المسيحيين الاسبان القاطنين في المناطق الشمالية مثل أستورياس و ليون و قاليثيا .

لقد إعتقد بعض المؤرخين أمثال دوزي و سيمونيت أن وجود الجليقي الأول في ماردة ، وعلاقة ابن مروان بألفونسو الثاني ملك أستورياس تستبعد أن يكون لإبن مروان صلة بلقب الجليقي  ، بينما عارض كوديرا هذه النظرية .
وقد أخذ المؤرخ مارتينيث ( بداخوث ) بنظرية دوزي و سيمونيت ، و لكنه ما لبث أن تراجع ليتوافق مع ما قاله كوديرا .
وبهذا الشأن يتحدث إبن خلدون بكل وضوح ، أن الحملة العسكرية التي أرسلها الأمير محمد لإخماد ثورة إبن مروان ، و إلتحاق الأخير بألفونسو الثالث هي بداية تسمية إبن مروان بالجليقي . كما نسب لإبن مروان لقب الماريدي ، وهذا بديهي لإنتسابه لمدينة ماردة ( ميريدا ) .
 
عاش إبن مروان الجليقي في ماردة في منتصف القرن التاسع ، و هو من المُولدين الذين تركوا دينهم و إعتنقوا الإسلام ، وقد ظهرت في نفسه مشاعر التمرد و الإستقلال التي تميز نفوس أهل إكستريمادورا ، أو ربما عادت إليه روح القومية والإنتماء لأرضه ، مع تصاعد القمع من قبل حكام بني أمية .
وقد قارن كاخيقاس Cagigas الحس الوطني و الطابع القومي لثورة  إبن مروان بمواقف سوينتيلا Suintila أو المستعريبين los mozárabes  من المسيحيين بطليطلة .

تواجد عبد الرحمن بن مروان في مدينة ماردة ذات التنوع و المزيج السكاني من البرابرة و المُولدين و اليهود و المستعربين التي ما زالت الهوية الإسبانية داخل وجدانهم ، وعرف كيف يستغل عقائد كل فصيل منهم ليُكُّونتوجها سياسيا موحدا . 

بعض المؤرخين أمثال كوديرا Codera ، و كوتاريلو Cotarelo و مارتينيث Martínez أخذوا ببعض أخطاء دوزي  Dozy و سيمونت Simonet ( تراجع فيما بعد ) في ترجمتهم لإبن حيان إلى أن إبن مروان كان يدعو إلى دين جديد ، يجمع بين المسيحية و الإسلام .  و لا نستطيع بما لدينا من مصادر تاريخية تأكيد حدود هوية و معتقدات إبن مروان الدينية ، لكن لا نشك أبدا أن هذه المُولد الماريدي كان يستند على قاعدة مركبة و مترابطة من الدين و السياسة وفرت له تحقيق إنجازاته الصعبة . 

وأشار إبن القوطية وإسيدرو دي لاس كاخيقاس Isidro de las Cagigas الى هذه القدرة التي تميز بها ابن مروان في ظل الأحداث الخطيرة والتنوع الإيديولوجي في ذلك الوقت الذي تميز بالأخطاء و البدع المختلطة بين المسلمين و المسيحيين . و الدليل القاطع على حركة إبن مروان الحكيمة هو إستمرار حكمه و إمارته رغم القمع العنيف من قبل الحكم الاموي .

 لا شك أن الإسبان المسيحيين كانوا من أهم العوامل التي ساعدت إبن مروان ، و تحالفه مع ألفونسو الثالث جعل إبن حيان يكتب عن بعده عن الصف المسلم والتحاقه بالمسيحيين ، حيث فضل الصداقة و التحالف مع ألفونسو على صداقة المؤمنين المصلين تجاه القبلة .
كان توجهه السياسي ذا طابع إسباني بحت ، و أعطي الاولوية للمُولدين وفضّلهم على العرب ، وهذا ينطبق على ما قاله إبن القوطيه ، أنّ إبن مروان أصبح رئيس المرتدين في الغرب .
لكن إبن مروان إستطاع أن يتأقلم على التغيير المناسب ، حيث عندما أراد أن يعيد بناء بطليوس رجع إلى صفوف المسلمين ، ثم تمرد عليهم مرة أخرى . 
المؤرخون المسلمون قدموا لنا صورة قاسية ومعبرة عن إبن مروان ، ولكن كتاباتهم كشفت الحيوية التي كان يتمتع بها ، و قدرته الحربية ، ومكره السياسي في حروبه التي شنها بشكل مستمر في أرض إكستريمادورا السفلى . 

وصفه إبن القوطية بالداهية والماكر في الحرب إلى درجة عدم وجود من يستطيع التغلب عليه .
 ووصفه إبن حيان بخباثة لا مثيل لها ، حيث لا يصمد أحد امام نظراته  ، كما إشتهر صيته في الحرب كزعيم مخيف ، أخباره مجيده، وهجومه يؤذي الخصوم . أساليبه القاسية أكسبته سمعة و إحترام بين الأمراء الذين ما لبثوا أن قدموه على أنفسهم .  

************************************************************

* مانويل تيرون البارّان MANUEL TERRON ALBARRAN   : 

محامي و مؤرخ مختص بالشئون العربية و الإسلامية ، له عدة مؤلفات عن تاريخ المسلمين في الاندلس ، منها " إرث بني الأفطس " 'El solar de los aftásidas'  ، و لكن أهم ما قدمه هو كتاب " إكستريمادورا المسلمة " Extremadura Musulmana " الذي يعتبر الكتاب الأفضل و المفصل للتاريخ الإسلامي في منطقة إكستريمادورا .

* عادل النجار ADEL NAJJAR 
إمام مسجد بداخوث ، و رئيس إتحاد الجمعيات الإسلامية بإكستريمادورا ، و القائم على إدارة موقع بطليوس باللغتين العربية و الإسبانية 
             


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق